متى يعود عبد الكريم الخطابي إلى وطنه؟!في السادس من شهر فبراير 1963، توفي الأمير عبد الكريم الخطابي في القاهرة، ودفن في مقبرة الشهداء بها. وبعد أيام ستحل علينا الذكرى الخامسة والأربعين على رحيله عن هذه الدنيا. وبعد أقل من سبعة أشهر ستحل الذكرى الثانية والثمانين على مغادرته التراب الوطني، عقب انتهاء الحرب التي قادها مع قومه ضد الاستعمار الإسباني والفرنسي. ولعل من يتأمل سجل هذا المنفي حيا وميتا، يتأكد من أن صراعه وجهاده لم ينتهيا بعد، وأنه ما يزال يقلق من مرقده ضعاف النفوس والبصيرة.
لقد تعرض عبد الكريم لصمت مريب، حاصره في حياته ويحاصره في مماته. ومواصلة السكوت يعني الاشتراك الجماعي في مؤامرة مسح سجله الجهادي من الذاكرة الجماعية. وإذا كان التحالف الإمبريالي وضع، في العشرينات، حدا لطموح عبد الكريم في تثبيت دعائم مشروعه السياسي في الريف بشمال المغرب، فإن تحالفا من نوع آخر يعمل جاهدا لمحو كل أثر له صلة به ..
العقلاء في بلدان الله الواسعة يحرصون على أمجاد أسلافهم، كأعز ما يملكون من كنوز. أما عندنا فنفرط في كل ما أنجزه الأسلاف من تضحيات وبطولات. بيت عائلته في أجدير اندرست معالمه، وشباب "عاصمة" الجمهورية الريفية لم يعودوا يتعرفون حتى على موقعه. وبيته الآخر في آيت قمرة زال من على وجه الأرض، وما تناثر من حجارته ضاع في متاهات النسيان المتعمد.
هذا الذي أتحدث عنه هو رائد حركات التحرر من الاستعمار في العالم الثالث. تجربته العسكرية في الريف (1921 ـ 1926) تجاوز صداها حدود المغرب. لقّبه الفيتناميون بالرائد، واعتبره الصينيون مُعلما في ميدان تنظيم الجيش الشعبي. قال لي أستاذ عراقي ذات يوم: "إن عبد الكريم يستحق أن يقام له تمثال في كل عاصمة عربية، بل وفي سايغون". في وطنه أطلقوا اسمه على بعض الشوارع الخلفية، وعلى سدّ أقيم على أنقاض أول مدينة إسلامية أنشئت في المغرب، وهي مدينة النكور التي كانت عاصمة لإمارة امتد عمرها إلى عهد المرابطين. ياللمفارقة! مدن المغرب الكبرى تعج بمراكز ثقافية ورياضية واجتماعية تحمل أسماء الأحياء والأموات، ولا تجرؤ مؤسسة واحدة على حمل اسم عبد الكريم. ومما يعمق الشعور بالأسى أن القوى الديمقراطية في المغرب، تسير في موكب الصمت وكأنها في جنازة لا تعنيها. وأقصد هنا بصفة خاصة الأحزاب التي تزعم وراثتها نضال الحركة الوطنية. فهل يعقل ألا تنادي بعودة رفاة الخطابي إلى مسقط رأسه؟ ولماذا لا تطالب مثلا بترميم بيته في أجدير، وإقامة نصب تذكاري يرمز إلى جانب من تضحيات المغاربة في سبيل الحرية والعزة والكرامة؟
وقبل هذا وذاك، أليست العودة إلى الوطن حقا من حقوق الإنسان ..؟