salah ريفي جديد
عدد الرسائل : 4 تاريخ التسجيل : 11/04/2008
| موضوع: ثلاثة و داما السبت مايو 03, 2008 12:27 pm | |
|
ثلاثة...وداما...
ثلاثة و دامة...
الحاج عمر متقاعد إشتغل في بلجيكا ، عمره يقارب سبعون عاما ، بجلبابه الصوفي ونظاراته الكبيرتين من نوع قعر الكأس ،يترنح في مشيته ، يتكئ على عكازه المعقوف ، أصيب في عموده الفقري من جراء العمل المضني لأربعين سنة في ميدان البناء ، لقد ساهم مع باقي المغاربة لبناء ما دمره هيتلر أثناء الحرب العالمية الثانية.لكنه يستفيد حاليا من معاش لابأس به .
الفقير محند الحانوتي الموسوعي ، راكم تجارب حياتية في كل الميادين، مرورا من الجندية ،الفلاحة ،القنص و أخيرا تهريب السلع ، لحية بيضاء تخفي تجاعيد تعبر خديه وجبهته ، من قدماء المجاهدين أيام (الريفوبليك) .
السي علال من حكماء و الدوار لقد حفظ بالسماع عدة سور من القرآن الكريم ، رغم أنه لا يعرف القراءة والكتابة ، يحضر مع الفقهاء لترتيل القرآن و إنشاد بعض الأناشيد الدينية أيام الجمعة و الجنازات وأيام الأعياد . يحصل على بعض النقود من هذا العمل ، اختصارا إنه يسترزق من ترتيل القرآن و الأناشيد الدينية .
بعد صلاة العصر مباشرة ، والشمس قد ألقت بأشعتها الساخنة في زاوية من الدرب، وفوق مصطبة المسجد الإسمنتية (ثافات أنتامزيدا) ، هنا يتداول السكان القضايا المحلية ،كتحديد الميقات الموعود لقطف غلة الزيتون ، أو غلة اللوز(رنصاف) ، أو إجراء القرعة (العود=أكشوظ) لتنظيم دورة استغلال ماء الوادي ، أو لمناقشة إصلاح الساقية(ثايا) التي غالبا ما تهدمها حملة الوادي بعد تهاطل الأمطار.إن هذه المصطبة(ثافات) هي برلمان محلي عرفي للدوار: هنا تشرع القوانين المحلية التي تنظم الشؤون الفلاحية و الإجتماعية ، إنها منبرا وسيلة إعلامية لتبليغ الأخبار للساكنة، فضاء للالتقاء بأبناء الدوار العائدين من المهجر في غياب الجمعيات والنوادي .
هذه المرة الجلسة مخالفة فهدا الثلاثي السالف الذكر : الحاج عمر والفقير محند والسي علال من الأبطال المرموقين لعبة الداما ، إنها مبارزة في لعبة الداما ، نحن المتفرجون كل واحد يشجع حسب قرابة اللاعب لعائلته أو لدوافع أخرى .
أحضر الفقير محند الحانوتي معه ورقا مقوى مرسوم فوقه داما بواسطة يخضور أو سائل النبات الأخضر، طلب منا نحن الصغار أن نجمع من الدرب قشور البرتقال و 12وحصوات صغيرة ، تستعمل كبيادق للعبة الداما. بعد تعبئة الخانات الإثنى عشر لكل واحد تبدأ المباراة أو (الطرح) . ونحن متحلقين حولهم ،نشجع ،نتعلم ، كأننا في ملعب لمباراة دولية في التنس أو كرة القدم. طوى الحاج عمر ذراع جلبابه ، مدد ذراعه بكل وثوقية في مؤهلاته ، بدأ نقلته و مناورته الأولى قائلا :
- زيد مع الواد الثماني ...
ثم رد عليه الفقير محند بهدوء وتركيز عال في خططه و تحركاته...
- أغلق من هنا...
ثم تتوالى الانتقالات و تبادل الكلمات الاستهزائية لتحطيم معنويات الخصم وهزمه وإفشال خططه قبل انتهاء المباراة .
إنهاالطرق التي تتعامل بها القوى العظمى لتحطيم معنويات الشعوب و كسر شوكتها و تنشر الهزيمة والخنوع والاستسلام في شعوبها بسياسات إعلامية مضللة .
كان الحاج عمر والفقير محند يطلبان منا أن نلتزم الحياد وعدم الانحياز والصمت المطبق وعدم التدخل ، و ترك كل واحد ينفذ خططه ، يختار أهدافه وانتقالاته وتحركاته. مدد الحاج عمر ذراعه بهدوء نحو بيدق جانبي مطوق و هو يقول :
- نفخ هذا .. نفخ هذا ....نفخ هذا ....
- وآكل جوج مع الواد .
ثم يبدأ الفقير محند بالاحتجاج لكونه لم يرى هذا البيدق ولكونهما اتفقا قبل المباراة بعدم (التنفيخة) لكن الحاج عمر متمسك بقراره وبشرعية و صحة عمليته.
بدأت المحاصرات ، تغيير إستراتيجيات في اللعب ، تنويع الهجمات من اليمين واليسار والوادي من الجانبين ،كأنها معركة حقيقية ، يصيح الفقير محند وهو يضحك بكل قوة واستعلاء و استهزاء ووثوقي في مؤهلاته.
- ثلاثة ودامة. ثلاثة ودامة .ثلاثة ودامة.........
فيصبح الحاج عمر في موقف ضعف، محاصر من جميع النواحي ، يضيق به المكان ، طال تفكيره ، يتمعن في صمت ، واضعا يده اليمنى تحت خده ، أما الفقير محند يطلب منه الإسراع ، مذكرا إياه باقتراب صلاة المغرب والليل .
- سوف نبيت هنا إذن أسرع.....
ها هو الحاج عمر ينتصب واقفا وسط الحلقة وهو يقول ضاحكا و واثقا من نفسه.
- كول كول كول بداما هنا وتشوف.
- ها داما ديالك مهرسة هنا هنا هنا........ .
وتنقلب المباراة و المبادرة لصالح الحاج عمر.
تفكير جاد وعميق يغير الواقع يحول المهزوم منتصرا ، الضعيف قويا ، يفك ضائقة الإنسان ، ويتحكم في زمام الأمور ، إنه الفكر الذي يصنع الواقع ، لكن بكل تأكيد أن هذا الواقع المحاصر الذي أصبح يعيشه الفقير محند سيغير فكره و يولد أفكارا ومخططا تفك هذه الضائقة. ها هي لعبة داما العجيبة تجيب على إشكالية فلسفية وهي الأسبقية والتأسيس .
تستمر الهجمات و النقلات والتحركات و الاستهزاءات ، أصبحا اللاعبان يملكان الداما و يتحركان بتنقلات طويلة .
تدخل لأول مرة السي علال :
-إجمع (طبل الطرح )، تعادلت المباراة عمروا مرة أخرى لطرح جديد .
لكن الفقير محند متسك بكون المقابلة لم تنته بعد و أنها في صالحه ،يتوعد خصمه بتغيير التكتيك والخطط بمختلف أنواع التهديدات .
بعد سلسلة من النقلات .
وقف الفقير محند منتصبا بعد نقلة نوعية و حاسمة غيرت مجرى المباراة وموازين القوى وهو ويصرخ :
-كول كول كول هنا داما مهرسة ...
- وحرك هذا البيدق إنه يهودي شمعون شمعون محاصر ....
لقد انتهت المباراة لصالح الفقير محند ، وهاهو الحاج عمر يطلب منه مباراة أخرى لكن الفقير محند يمتنع ويتمسك بأنه منتصر وأنه لا يعلم صغار اللاعبين ، يتذرع بكونه لديه موعدا هاما حتى يتلذذ بنشوة الإنتصار.
أما السي علال فهو على أحر من الجمر ينتظر مقابلة المنتصر ، ليضهر ما في جعبته وجمجمته .
لكن أي إنتصارات في زمن الهزائم المتتالية ؟؟؟؟ .
| |
|